أخي من متلازمة داون
بقلم: لطيفة نجم العديلة
في عام ألف وتسعمائة وستة وتسعون ولد طفل مصاب بمتلازمة الداون بين ثمانية أخوة وأخوات وفي هذا الوقت علم الأب والأم بأن هناك تحديات جديدة في حياتهم وهي كيفية التعامل مع طفل بحاجة لتربية وعناية خاصة ولذا تساءلوا ما الخدمات التي يحتاج لها هذا الطفل ؟ وكيف يتعاملوا مع المجتمع في ذلك الوقت مع قلة التوعية بمتلازمة الداون؟
أولاً: دور أولياء الأمور:
مما لا شك فيه يكون الدور الكبير في المراحل الأولى للطفل على عاتق الأب والأم، فقد كان الأب يبحث عن الخدمات المتوفرة في المجتمع والتي يستفيد منها الطفل كالخدمات الصحية والتربوية. فبدأ في الأشهر الأولى وإلى عمر السنتين في خدمة العلاج الطبيعي لمساعدة الطفل على تقوية عضلاته ليحفزه على تطوير مراحل النمو لديه كالحبو (الزحف) والجلوس ومن ثم المشي. كما كانت الأم تبحث وتقرأ في الكتب عن كيفية تربية الطفل وتعليمه وكان لها دور كبير في العناية في الطفل في البيت والملازمة على حضوره لجلسات علاجه ومراجعاته في المستشفيات. وفي عمر الحضانة تم إدراجه في جلسات للنطق التي أيضاّ استفاد منها. وفي عمر الروضة تم إدراجه في ذلك الوقت في روضة لديها تعليم الدمج فتعلم أساسيات ما قبل التعليم كمسك القلم ومعرفة وظائف المجسمات وكيفية استعمالها، وأيضاّ اشتغل الأهل في المنزل على تعليمات المدرسة وأيضاّ على تعليم الطفل كيفية استعمال المرحاض وترك الحفاض. وفي عمر الدراسة ما بين ست سنوات إلى عشر سنوات تم إدراجه في مدرسة دمج فبذلت الأم مجهودها مع المعلمات كي يتعلم القراءة والكتابة وكان مرشدها كتاب عنوانه دروس في: تعليم القراءة للأطفال من ذوي متلازمة داون دليل للأباء والمعلمين ( تأليف باتريشا لوجان أولوين). ففي عمر العشر سنوات كان أخي على علم بالأمور الصحيحة والأمور الخاطئة والخطرة التي يجب أن يتجنبها كمثل الخروج من المنزل لوحده دون معرفة أحد. وكان يستطيع التحدث والتعبير عن نفسه واحتياجاته ويقرأ الجرائد ويكتب. ولكن للأسف لم يستطع الأهل أن يجدوا مدرسة في ذلك الوقت تكمل تعليمه لذا مكثت في المنزل لمدة أربع سنوات مما أدى إلى تراجع غير متوقع من أخي فقد نسي القراءة والكتابة وبدأ يتأثر حتى في طريقه كلامه ونطقه. وبعدها تم قبوله في إحدى المدارس التأهيلية عن عمر أربعة عشر عاماَ إلى الواحد وعشرون عاماَ. وهو الآن في عمر الخامسة والعشرون ذو شخصية اجتماعية رغم خجله في بداية مقابلته للناس ويحب التنزه والخروج مع الشباب والذهاب للسينما وهواياته السباحه والرمايه وركوب الخيل ولاعب ماهر في لعبه كرة البولينغ . كما كان لوالدي دور كبير في تحفيظه آيات من القرآن الكريم.
ثانيأ: دور الأخوة والأخوات
يبدأ دور الأخوة والأخوات بمجرد توعيتهم بأن هذا الأخ من ذوي متلازمة الداون ليس فقط مسؤولية الأب والأم بل يجب عليهم أن يشاركوا في هذا المسئولة، كأن يأخذه الأخوة معهم للتنزه أم للذهاب للدواوين. كما يجب أن يحرضوا أيضاّ على مصادقته وتعليمه كيفية التواصل والتعامل مع الأخرين في المجتمع.
من هنا سأتحدث عن نفسي قليلاَ فأنا الفارق بيني وبين أخي من ذوي متلازمة الداون ثلاثة سنوات لذا لنقل إنه عندما عاد للدراسة في المدرسة التأهيلية كنت في المرحلة التمهيدية في جامعة الكويت فكنت آخذه لمدرسته وأجلس معه في الفصل مع أصدقائه وأتحدث معهم وأساعدهم في الدرس وبعدها أذهب للكلية وعندما أنتهي من محاضراتي أذهب لأخذه من المدرسة. وفي يوم من الأيام وأنا في الجامعة سألت نفسي ماذا أريد من هذه الكلية، إذ لا يوجد أي تخصص بها يستهويني لذا بدأت في البحث بين كليات الجامعة عن تخصص له علاقة ويفيد ذوي الاحتياجات الخاصة. عندها وجدت كلية البنات الجامعية وتخصص علوم إضرابات التواصل وبدأت ببذل الجهد من أجل أن أقوم بالتحويل من الكلية التي كنت بها. وظللت أسعى حتى وصلت للهدف وعندما تعمقت في التخصص بدأت في معرفة وتشخيص أخي أكثر فبدأت بملاحظة أن أخي يعاني من مشاكل في اللغة ومشاكل في مخارج الحروف وأيضاً يعاني من تأتأة شديدة والتي كانت بالنسبة لي هذه التشخيصات قبل التخصص نصفها بكلمه واحدة ألا وهي "لسانه ثقيل".
وبعد التخصص وعندما وصلت للمرحلة الميدانية رجعت لمدرسة أخي وفي الفصل بدأت أنظر للأنشطة التي يقومون بها وفي هذه اللحظة كانت نظرتي مختلفة عما كنت عليه في المرحله التمهيدية ورأيت أن ما يقوم به المعلمون هو تأهيل الطلبة للحياة العملية أو الوظيفية. ولا يمكنني أن أنسى في هذا اليوم عندما عدت للفصل وبدأت أنظر لأصدقاء أخي رأيت أن أحد أصدقائه الذي كان في مثل عمري غير متواجد لذا قمت وسألت المعلم عنه وكانت الصدمة التي أبكتني عندما أخبرني بوفاته بسبب السمنة المفرطة التي سببت له بمرض السكري. ورأيت أخي ولم يكن لديه أي أدنى فكره بأن صديقه فارق الحياة. لذا بدأت بمسح الدموع وقررت بأني أيضاّ سوف أوصي الأهل والعاملات في المنزل أن علينا المحافظة على طعامه لكي نحافظ على وزنه وندخله نادي للسباحه وندعه يحب الرياضه أكثر.
ثالثاً : دوري وأنا طالبة تخصص في علوم اضطرابات التواصل :
عندما كنت طالبة في كلية البنات الجامعية حرصت على أن أجتهد وأن أستغل وأقوم بفهم كل معلومه أتعلمها لكي أستغلها ليس فقط لأخي بل للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وشاركت في نادي عبر (النادي التوعوي لعلوم اضطرابات التواصل ) في الكلية وأشركت مدرسة أخي في اليوم العالمي لمتلازمة الداون ( واحد وعشرون من شهر مارس ) ونجحت التوعية بشكل ممتاز حتى إنني رأيت طالبات الكلية من كان لديهم خوف من التعامل مع ذوي متلازمة الداون شاركوا في المهرجان وتواصلوا معهم بشكل جيد وجميل في ذلك الوقت، الأمر الذي أدخل السرور والفرح إلى قلبي.
رابعاَ : دوري كاختصاصية نطق وسمع :
في بداية الوظيفة بدأت بعمل ورقة واحدة تحتوي من الأمام والخلف على الأماكن التي يتم بها قبول الأفراد من ذوي متلازمة الداون منذ الصغر إلى جميع الأعمار مع الأماكن وأرقام الهواتف. وعندما يأتي الأهالي لي أعطيهم لكي تكون مرشداً وموجهاً لهم. كما أنني أبذل جهدي مع كل طفل يأتي إلي إن كان من متلازمة داون أو توحد أو تأخر تطوري شامل أو فرط حركة وقلة انتباه وغيرها من الحالات التي أحاول بشتى الطرق تحسينهم وتقويه مهاراتهم اللغوية ومساعدتهم على التواصل. ولا شك أن مهما وصل الإنسان لعمر مازال بحاجه للتعلم فواجبي الآن أيضاَ أن أتعلم أكثر وأستمر بأخذ الدورات وحتى إنني لا أنسى في السنة الثانية من وظيفة دخلت عمل تطوعي بإثبات أهمية الدمج وفائدته للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ودخلت أنا وأخي من متلازمة الداون هذا التطوع فكنا ندرس نفس الدروس ومنها تعلم لغة الإشارة.
وفي السنة الثالثة من الوظيفة بدأ شغفي بأن أتعلم أكثر التعامل مع أطفال التوحد واضطرابات فرط الحركه وقله الانتباه لذا بدأت في العمل في الخاص فقط لكي أتعلم من اختصاصين ذوي خبرة في التعامل مع هذه الحالات حتى زادت خبرتي في التحليل والتعامل مع سلوكيات الأطفال وكيفية إدارتها.
خامساً : دور المجتمع :
سوف أختصر دور المجتمع في كلمة واحد وهي الدور الوحيد المطلوب منه وهو المعرفة. يجب على المجتمع أن يعلم أن هناك أشخاص مختلفون عنا لكن هم أنقى وألطف منا جميعاَ لذا عاملوهم بإحسان وكونوا لبقين في الكلام مع الأهل فهم أكثر من تحمل المصاعب في العناية والتربية والتعليم والسهر والحماية البيئية لطفلهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
سادساَ: دور الدولة لأبنائهم من ذوي الإحتياجات الخاصة ( ذوي متلازمة الداون ):
لقد ساهمت دولة الكويت بإعطاء حقوق لذوي متلازمة الداون من حيث توفير مبلغ مادي وتوفير فرص عمل وأولويه الدخول للمراكز الصحية الحكومية والخاصة (المستشفيات والعيادات)، وتوفير أندية خاصة لهم، وتم وضع مراكز ومدارس خاصة وجمعيات تطوعية تهدف لتسهيل التعامل مع الحياة لذوي متلازمة الداون.
سابعاً : المراكز والمدارس والجمعيات لذوي متلازمة الداون :
وفي نهايه الختام كل شخص في هذه الحياة له دور في التعامل مع ذوي متلازمة الداون أو ذوي الإحتياجات الخاصة، ولكن عليه أن يؤثر بدوره الفعال من حيث الأسرة والمجتمع والاختصاصين والدولة لتسهيل حياتهم وجعل البيئة المحيطة لائقة بهم.
-------------
لطيفة نجم العديلة: بنت وأخت وصديقه قبل أن أكون اختصاصية نطق ولغة
أضف تعليقك